قال فضيلة الشيخ عبد الباسط القاضي رضوان الله عليه مقدما نفسه في ختام تفسيره للقرآن الكريم :
هذا ما حرره بخطه وكتبه بقلمه الخُدَيِّمِ الفقير إلى رضوان الله عبد الباسط بن محمد القاضي بن عبد الله بن مصطفى القاضي العمري . ولدت بجزيرة البرلس من أعمال مديرية الغربية . وهذه الجزيرة تقع على شاطئ البحر الأبيض المتوسط وتربيت بها وحفظت القرآن بمقر الميلاد بكفر القاضي الواقع في نصف غرب الجزيرة . وهكذا الكفر موجود بين أربع بلاد من الجهة الغربية بلدة العمرية . ومن الجهة الشرقية بلدة الوهايبة . ومن الجهة الشمالية بلدة المرازقة . ومن الجهة الجنوبية بلدة الشوش ، ثم انتقلت إلى مدينة دسوق وتلقيت فيها بعضا من العلوم ، وأقمت بعد ذلك مزاولا لأعمالي في طلب المعاش حتى مَنَّ الله على الفقير باتصالي بالمرشد الكامل والوارث الكلى السيد محمد ماضي أبو العزائم ، فآثرت صحبته وانتقلت إلى مصر بالقاهرة وأقمت معه في داره العامرة ، فاعتنى بي قدس الله سره وشملني بعطفه وآذنني بالدعوة والكتابة – وهذا من فضل ربى – بعد أن تلقيت عليه علوم الشريعة قولا وعملا ، وعلوم الطريقة عملا وحكمة ، وعلوم الحقيقة شهودا وذوقا ، وشرح القرآن ظاهرا وباطنا وحدا ومطلعا ،. ومواجيد العارفين نثرا ونظما ، وكتبت عنه في علوم الأسرار ومكنون الأنوار ومضنون الغيوب ما لو نشر وتناولته أيدي علماء المسلمين ودرس في معاهدهم ومساجدهم لغير وجه البسيطة وأوجد ثورة فكرية عالمية وأعاد الأنوار المحمدية وأزال ظلمات المدنية وجدد آثار المعية .
وإني بمعونة الله سأجد ما دمت حيا في إظهار ما تلقيته من علومه وأسراره قدس الله سره سائلا الله تعالى أن يجعل ذلك خالصا لوجه الله من جميع الشوائب صافيا من كل العلل مجردا من كل حظ وهوى مخلصا لله العلي الأعلى وهو حسبي ونعم الوكيل ونعم المولى والنصير .
ومما كتبه أيضا فضيلة الشيخ عبد الباسط القاضي مُقــَـدِّماً نفسه لِقُرَّاء كتابه [ المعروف من أسرار الحروف – محاولة في تأمل حروف الأبجدية ومعطياتها لكلمات اللغة العربية ] قال ص 11 :
كان مولدي وبداية حياتي في قرية ريفية تابعة لقرية سيدي سالم محافظة كفر الشيخ . ولأن والدي – رحمه الله – من حفظة القرآن الكريم وله نشاطه الإجتماعي والديني مما جعل دارنا محلا لاجتماعات كثيرة من أهل قريتنا والقرى المجاورة لتبادل الحديث في مختلف الأمور خصوصا فيما يتعلق بالعلم والتفسير . ولأني أكبر إخوتي ، فقد كانت وظيفتي هي خدمة ضيوف والدي سواءً في حضوره أو في غيبته ، الأمر الذي أتاح لي رغم صغر سني التواجد في مجالس كبار العلماء وسماع كل ما يدور فيها من مناقشات وحوارات .
وفي بداية عام 1932 انتقلت مع الأسرة إلى القاهرة حيث أقمنا بسراي الإمام محمد ماضي أبو العزائم الموجود مكانها حاليا مسجده رضوان الله عليه بشارع مجلس الشعب ، وكانت السراي قبل هدمها مؤلفة من فناءٍ واسع الأرجاء تحيط به أربعة أجنحة سكنية ضخمة . وقد خُصِّصَ الدور الأرضي أسفل الجناح البحري لمطبعة المدينة المنورة ، وكانت مطبعة حديثة جدا في آلاتها بالنسبة لزمنها ، وكان أهم ما يُطبع فيها : مجلة أسبوعية ، وكتب الإمام النثرية ، ومواجيده النظمية ، فضلا عن المطبوعات التجارية .
وقد كنت في الثانية عشر من عمري حين أشار الإمام أبو العزائم بإلحاقي بالمطبعة بعد أن تعذر دخولي المدارس الثانوية التي كانت وقْفاً على أبناء القادرين على مصاريفها . ولكن رُبَّ ضارةٍ نافعة.. فقد صارت مهنتي هي مدرستي التي مهدت لي سبل العلم خيرا من أي جامعة ، فعن طريق ممارستي لجمع الحروف تمهيدا لطباعتها عرفت جمال الأبجدية وعظمتها سواءً في تركيب الكلمات وبيان منطقها ، أو رمزية الحروف إلى معاني حقيقتها ، فقد لمست بيدي ورأيت بعيني كيف تتكون كلمة بذاتها وكيف يتغير مفهومها حسب مكان وضعها في الجمل ، بل ويضيع مدلولها لمجرد وجود نقطة في غير مكانها أو نقص نقطة أو زيادتها أو رفع نقطة بدل خفضها ، والعكس أيضاً صحيح في إبعاد الكلمة عن معناها المراد منها وهو الأمر الذي أُطْلِقَ عليه (الأخطاء المطبعية) ، كما اكتشفت أيضا مدى أهمية تشكيل الكلمات ليفهم القارئ المعنى الحقيقي للعبارات وإلا تحول منطق بعض الجمل والمسميات إلى عكس المراد من معانيها .
وهكذا أفادني عملي بالمطبعة فوائد عديدة وحصلت على معلومات عامة كثيرة في مختلف أوجه العلم والمعرفة أحطت بأسرار خفية مستورة طويت طي عباراتٍ ظاهرة منظورة ، وما كان يتاح لي الإحاطة بها حتى لو حصلت على أعلى الشهادات المدرسية المعروفة . ولهذا تعلقت بمهنتي وأحببتها حباً جماً ، لأن جمع حروف أي موضوع كان يُلزِمُني بقراءته أربع مرات :
o الأولى : عند جمع حروف الكلمات ،
o والثانية : عند البحث عن الأخطاء بقراءة البروفات ،
o والثالثة : عند المراجعة الأخيرة قبل مباشرة الطبعات ،
o أما القراءة الرابعة فهي من مكاسب المهنة حيث يحق لي اقتناء خمس نسخٍ من أي كتاب فأعود إلى قراءته قراءةً متأنيةً لدراسة ما به من المعلومات والرجوع إلى أهل الذكر لمعرفة ما يصعب عليَّ فهمه من خفي المعاني والإشارات .
وكان معظم ما يطبع في ذلك الحين هي الكتب الدينية والأبحاث العلمية والمقالات الأدبية، فضلاً عن مؤلفات الإمام أبو العزائم النثرية منها والنظمية ، ومجلة المدينة المنورة الأسبوعية التي كانت لا يكتب فيها إلا كل أديبٍ من المفكرين أو عالِمٍ من الباحثين .
وقد رُوِيَ لي أنه كان يقضي شهر رمضان في درس ودعوة وعلم بمدينة البوصلات دقهلية، وذاع أمره وعلا شأنه كعالم متمكن في كل أنحاء البلد ، وأقبل عليه الناس يرتشفون من علمه في هذا الشهر الكريم ، وأحدث ذلك صدى الغيرة في قلوب معاصريه من العلماء فأعدوا له الأسئلة ذات الحدين وواجهوه بها في مجلسه وهو يجيب إلى أن أتى إلى أحد الأسئلة وتوقف عن الإجابة وتصفد جبينه عرقا ، وفي نفس اللحظة كان الإمام أبو العزائم بالقاهرة يلقي على إخوانه الدرس ، فقطع الدرس وقال : أنا ذاهب إلى أخيكم عبد الباسط – والحقيقة أن الذهاب هنا بالروح وليس بالجسم – وحينئذ نظر الحاضرون في مجلس الشيخ عبد الباسط بالبوصلات فإذا بصورته تغيرت وبدأ في الإجابة على الأسئلة من أولها وأجاب على السؤال الذي توقف فيه ، ولما فرغ من الإجابة عادت صورته الأولى كما كانت ، فقال له الحاضرون : إننا لم نرى صورتك التي أنت عليها الآن أثناء الإجابة على الأسئلة ، فقال : إن الذي كان يجيب على الأسئلة هو الإمام أبو العزائم ولست أنا ، فاشتاق الحاضرون أكثر لرؤية الإمام ، فقال الشيخ عبد الباسط : هيا بنا لرؤيته ، ونزلوا معه إلى القاهرة ، فلما رأوا الإمام قالوا : هذا الذي كان يجيب على الأسئلة ولستَ أنت يا شيخ عبد الباسط .
ومن صور التصريف التي منحها الله للإمام ما رُوي أن الإمام كان يوما في عزبة شوغي مركز سيدي سالم محافظة كفر الشيخ وكان في صحبته فضيلة الشيخ عبد الباسط القاضي ، فسأل الإمام : إخبرني يا سيدي كيف فلق الله البحر لموسى عليه السلام ، فقال له اذهب وائتني بالجرائد اليومية من ( سد خميس ) – وهي بلدة قريبة من عزبة شوغي . وركب فضيلة الشيخ عبد الباسط الدابة وأسرع إلى سد خميس ، وعندما قفل راجعا ومعه الجرائد هطلت السماء بشدة فكان الماء ينزل عن يمينه وعن شماله ولا يمسه ولا الجرائد ببلل حتى وصل إلى مولانا السيد . ولما أوصَلَ لٌمام الجرائد أعاد عليه السؤال فقال الإمام : يا عبد الباسط : الذي فلق ماء السماء لعبد الباسط فلم يمسه بلل هو الذي فلق البحر لموسي .
# الكتب :
1- المعروف من أسرار الحروف – محاولة في تأمل الحروف الأبجديةومعطياتها لكلمات اللغة العربية .
2- حكمة أحكام الدين .
3- شعب الإيمان .
4- مقامات الإحسان .
5- مقامات اليقين .
6- إصلاح الكوكب الأرضي بظهور الرجل العالمي .
7- الوصية .