اذا تأهل المسلمون , واجتمعوا فى بيت ربهم خاضعين لأمره , ملبين لنداه , قام مؤذنهم منبها لهم , وموقظا لقلوبهم , ومبشرا لعقولهم وأجسامهم وأرواحهم قائلا ان ربكم , قد أقبل بوجهه عليكم , وهو الحى القيوم الكبير المتعال , وهو أكبر من كل شئ فقوموا صفوفا أمام حضرته , وقفوا على بساط المكالمة والمنادمة , طالبين القرب والوصل , فهو الاله الأكبر , ولا اله سواه , ففزعوا قلوبكم مما عداه , شاهدين أن لا اله الا الله , وأن محمدا رسول الله , فهملوا الى الصلاة فقد قامت الصلاة , فقوموا لها قانتين , ولأعمالها مكملين متممين .
وهنا تصطف الصفوف , وتقف المئات والالوف , أمام الرحيم الرءوف , جل وعلا , فالاقامة هى شعار للدخول فى أعمال الصلاة , وترك ما سوى الله , بالتوجه بالأجسام لقبلة واحدة , وبالأقوال لذات واحدة , يقول الداعى , الله أكبر , الله أكبر , أشهد أن لا اله الا الله أى لا مشهود لنا الا الله , ولا مقصود لنا سواه .
وهنا يقوم أمام الجميع , بأمر القريب السميع , ممثلا الوحدانية , بأمر الذات العلية رافعا يديه للتعظيم , مستفتحا أبواب فضل العلى العظيم , القريب المجيب الرءوف الرحيم .
فحكمة الاقامة اشعار للجماعة والامامة , ودعوة للوحدة , وتوطيد لأواصر الألفة والمحبة , وارشاد لتوحيد الرابطة والمودة , وتنبيه للقيام بإشراف اللأعمال , وأفضل الأحوال .
وكيف لا وهو مثول بين يدى الكبير المتعال , واجابة لداعى الجمال والكمال , والوصال ليتصل العبد بربه , ويصير من حزبه وجنده , وهناك تتنزل الرحمات , وتفاض الخيرات والبركات .