يقول بعض أهل الرواية والدراية أن دعاء التوجه سنةمحمدية , والاستعاذة من سنن الصلاة القولية , وحكمة ذلك فوق ادراك البشرية , فاذا قال المصلى ( وجهت وجهى للذى فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين([1]) ) فكأنه فر من عالم الوجود الى الموجود , وأعرض عن العبيد الى المعبود , والوجه هنا يعبر عن الكلية فكأنه أعرض بكله عن غير ربه , وأقبل بجسمه ومعانيه , لذات خالقه وباريه , وعند ذلك يواجهه الحق بوجهه , ويقبل عليه بعطفه وفضله .
وهنا ينطق بالاستعاذة وحكمتها الالتجاء الى الله , والدخول فى حصن لا حول ولا قوة الا بالله , لأن معنى استعاذ , أى احتمى وتحصن ولاذ , فيكون فى كنف الرحمن , محفوظا من كيد الشيطان , لأن الانسان فى حال وجوده الباطل وحجابه السافل , يرى لنفسه حولا وطولا , وعملا وقولا , فاذا دعاه مولاه للصلاة , ذكر بمنباه ومعناه , وعرفه بنفسه ومبتداه , وفى حال توجهه لخالقه وموجده عرفه أنه من العدم وصل , وهو عدم لم يزل , وهنا دله على الاستعاذة , ليكون الله وليه وملاذه , وليخرجه من ظلمات البعد والجفا , الى مقام الانس والصفا , ويطهره من الشرك الخفى والأخفى .
فالاستعاذة حكمتها خروج من ظلمات الأكوان , والاعتماد على الملك الديان , والرجوع الى الحقيقة الأولية , فى معية الحضرة الأزلية , وليست هى كلمات تقال باللسان من غير تدبر ولا ادراك ، ولا فهم يصل العزة الالهية فى قوله تعالى …
(( فاذا قرأت القرآن فاستغذ بالله من الشيطان الرحيم[2] )) .
وأمر الله تعالى فوق ادراك الانسانية قدرا , وفوق الاحاطة نفعا وخيرا وبرا .
فالاستعاذة من معارج الوصول , الى حقيقة الأصول , وأصل المؤمن هو الله ولا نهاية للوصول ومعناه , فالاستعاذة حبل الله المتين , ونوره المبين , وهى من جوامع الكلم , وغوالى الحكم , لو تدبرها المسلمون , وتحقق بحقيقتها المؤمنون , وشهد أنوارها المحسنون , وثبت فى حصنها الموقنون , لعادت للاسلام أنواره , ورفع المسلمون أعلامه ومناره , ولكن ياللأسف أصبح المسلمون يصلون تقليدا , وألسنتهم تردد القول ترديدا , بغير فقه ولا ادراك .
نسأل الله أن يظهر أنوار الحكمة ، وأسرار السنة للعالم الاسلامى برجال حكماء وأتقياء علماء ، يعيدون مجد الاسلام وعز المؤمن .