أمر يصدر من العظيم , فيه مراد الآمر وحكمة الحكيم , ومقصود الحاكم وعلى قدر عظمة الآمر تكون عظمة الأمر .
فالصلاة أمر من الله العظيم جل وعلا لا نهاية لقدرة , فيكون أمره لا نهاية لمنافعه ولا حد لحكمته , قال تعالى (( وما قدروا الله حق قدره( ) )) والصلاة أمر القدير , الذى أمر به البشير النذير , وهى أعلى جوهرة من كنز المعطى الوهاب , اعطاها ووهبها لأفضل الخلق فى ليلة الاسراء والمعراج , ليلة الزيارة الوحيدة التى خص الله بها حبيبه الوحيد , ومحبوبه الفريد .
هدية الهية , ومنحة ربانية أهداها الله تعالى ومنحها لخير نبى , وأفضل رسول ولخير أمة أخرجت للناس , فاذا آمنت وصدقت , وفكرت وتدبرت يا أخا العقل فى هذه العطية التى أعطاها الله لأفضل المخلوقات فى ليلة الزيارة التى لم تحصل لمخلوق من العوالم كلها لحكمت معى الحكم الفصل أن حكمة الصلاة وأسرارها فوق ادراك المدركين , وفوق علم العلماء العارفين .
حكمتها علية , وأسرارها سرمدية , لا تنتهى معانيها , ولا تحد مشاهدها , وعلى قدر ما أدركته من حكيم زمانى , أبين فيها من المعانى .
أبدأ فى بيانى هذا بمقدمات الصلاة من طهارة جسمانية , وهى الطهارة التى فرضتها الشريعة المحمدية .
حكمة الاستنجاء وازالة النجاسة من الثوب والبدن , ان الجسد البشرى والهيكل الآدمى لحفظ المعانى الالهية والأسرار الربانية , والحكم العلية , والأنوار القدسية , والآيات الرحمانية , والاشارات الملكوتية , التى بها الدلالة على معرفة الذات الآحدية .
فاقتضت حكمة الله تعالى بحفظ هذا الهيكل من التصدع والضعف والانهيار ليكون سليما صحيحا من الأمراض والعلل , ليقوم بوظيفته حق القيام.
والنجاسات الجسمانية السفلية , والأوساخ العنصرية , توجب ضعف هذا الجسم وضرره , فأوجبت الشريعة ازالة هذا الضرر , ومحو هذا الخطر , وألزمت الانسان أن يطهر محل القاذورات , ويزيل أثر الفضلات , ليدوم للجسم قوته , ويحفظ طهارته وصحته .
فالاستنجاء وازالة النجاسة اسعاف صحى , ووقاية لهذا الهيكل الانسانى ليبقى محفوظ الصحة , موفور القوة , لتحفظ فيه المعانى العقلية والفكرية والروحية ليقوم بأداء المأمورية التى لأجلها خلق , وللقيام بها وجد .
وهذه ذرة من حكمة ازالة النجاسة .
وفيها حكم معنوية , وأسرار روحية لا نهاية لها , لأن كل حقيقة انسانية معنوية لها نجاسة وطهارة نوعية , ففى ازالة النجاسة المحسوسة اشارة الى ازالة النجاسات المعنوية من شرك وكفر وفسوق وفجور وريب وشك , وكبر وعجب ورياء , وغير ذلك مما أشار له القرآن بقوله تعالى .. (( انما المشركون نجس( ) )) .
فالله جل جلاله أمر بازالة نجاسة الأبدان ليعرفنا بازالة نجاسات الانسان , وليس لنجاسات الانسان من حصر ولا حدود لذلك أنزل الله الشرائع من أجلها , وفرض الحدود من شأنها واذا أردنا أن نتكلم فى حكمة كل نجاسة وطهارتها , ما وسعنا زمان ولا مكان , ولا أسعفنا مداد ولا قراطيس , ولكن يكفى فتح الباب , ومنه يدخل العارفون من أولى الألباب .
وتفصيل المجمل , وحل المشكل , يقيض الله له العلماء , الوارثين لسيد الأنبياء , قال تعالى .. (( نفصل الآيات لقوم يعلمون( ) )) .