على هامش التصوف :
مفعول النفاق في فساد الأمم
نظرة إجمالية في الأمة المصرية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المدينة المنورة – السنة 10 – العدد 3 – ص 11 .
الجمعة 27 جمادى الآخرة 1356 هـ الموافق 3 سبتمبر 1937 م .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الإنسان بحسب تكوينه الأخلاقي ونشأته الفطرية متفاوت الطبع مختلف السجايا متباين المقاصد متغاير الأجناس ، وهو بالإجمال منقسم إلى ثلاث أقسام :
1 – أهل صلاح وإيمان عرفوا الخلاق وخافوا بطشه وطمعوا في رحمته وإحسانه فوقفوا عند أمره وطاعته ، صدقوا الرسل ونصروا الحق ورحموا الخلق فجعلهم الله خلفاءه في أرضه وجلساءه فوق عرشه يوم القيامة .
2 – وقسم كفروا بالله وكذبوا رسله وجحدوا نعمه وسعوا في الأرض بالفساد وظلموا العباد وتعصبوا لآرائهم السافلة ومقاصدهم الزائلة ، طبعت نفوسهم على الشر والكفر والعناد فلا يرجعون إلى الصواب مهما لاقوا من الشدائد والصعاب ، عاشوا في حضيض الأسفلين ومأواهم العذاب يوم المآب .
3 – والقسم الثالث هو موضوعنا اليوم وهو أشر الخلق فسادا وأنكاهم عنادا وأسفلهم حقيقة وأرذلهم سبيلا وأخبثهم طبيعة ، لا تعرف لهم خلال ولا تقف لهم على حال يتلونون مع كل إناء ويتشبهون بكل صورة ، لا يظهرون بعداوة لقوي ، يتسلقون على كل شجرة منعشة وينضمون لكل طائفة قوية ويتملقون لكل من يجدوا عندهم نوال شهواتهم وسد حاجاتهم . وتكون بليتهم أنكى وفسادهم أعم وضررهم أقوى إذا منحوا علما وقدروا على البيان ولعبوا بالألفاظ المنمقة والجمل المزخرفة واستطاعوا أن يؤثروا على الجمهور بستر خفايا طوياتهم وخفاء عداوتهم وتصوير المحبوبات بكل سامع بحسب ما يحب ختلا للعقول ولبسا للحق وإحقاقا للباطل ، يستخفون من الناس أشد الخفاء ويؤولون كل خبيث على أحسن أمر ، يلبسون مسوح الأنبياء ويتخلقون بأخلاق النساك ويحرصون على ستر عوراتهم ويسلبون أموال الناس من وراء حجاب ، إذا لقوا قوما قالوا نحن الأنصار البررة ، وإذا جلسوا مع آخرين قالوا لولا نحن ما نلتم من عدوكم نيلا ، يخدعون كل فريق من قِبَلِ حاجته ، والأعداء من عوائدهم لا تجتمع ولا تأتلف ، وإذا اجتمعت ظنت بأعدائهم الظنون . والمنافقون بينهم رسل الشيطان يحبون أن تشيع بين الطرفين العداوة وينتشر الشقاق ليجنوا ثمرة الشجرتين ولينالوا الخير من الفريقين .
فإذا أراد أهل البصائر النافذة والآراء النافذة أن يكشفوا عن خبائثهم ويرحموا الناس من فسادهم ودسائسهم ألبسوا ثوب طويتهم المظلمة لأهل الخير والصلاح ورموهم بما يخافون ظهوره من أعمالهم السيئة ، يخلعون ثيابهم ويرمون بها أعداءهم وصدق رسول الله حيث قال [ لا تعلموا أولاد السفهاء ].
إن مصر لا تخلو من هذا الفريق النجس الخبيث شر الخليقة عند الله والناس، بليت به مصرنا في عصرنا هذا وتسلق على كل شجرة من أشجارها ودخل في كل حزب من أحزابها وفي جماعة من جماعاتها وبرع أشد البراعة في تضليل الجمهور ، والأكثرية وأهل الإيمان يسمعون ويصدقون بحسب سرائرهم . وقوة البيان تحجب الحقائق عن العيون الضعيفة والبسطاء ينخدعون بظاهر القول والحوادث التي تكشف الخبائث لا يتحققها إلا القليل . هذه الطائفة الشريرة لا يخلو منها زمان ولا مكان ، وقد أعيت أفذاذ المصلحين من أنبياء ومرسلين وخلفاء وصالحين . هذه بلية الأمم ليس لها من دون الله كاشفة .
أكتب هذا وأنا على يقين أن كل منافق يعلم نفسه حق العلم ، كما وأن أهل البصائر النيرة والعقول الراجحة يعرفونهم كما يعرفون أنفسهم خصوصا أهل القرآن الذي ما فرط الله فيه من شيء ، يعرفونهم أشد من معرفة الليل والنهار لأن صفاتهم للعقول معلومة وفي طي الآيات مرسومة ، والله يمهلهم ولا يهملهم ، فإذا أراد صلاح أمة فضحهم وأظهر للملإ شرهم . وقد أراد الله تعالى بمصر خيرا واقترب أجل أهل النفاق وقريبا سيعلمون من الكذاب الأشر .
فيا طبقة المنافقين ويا أشر المخلوقين .. سارعوا إلى الدمار وخذوا نصيبكم من هذه الدار واستتروا خلف معسول قولكم وأظهروا للعباد ضد ما في قلوبكم فقد اقترب منكم العذاب ولعذاب الآخرة أشد {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا}، ويا أهل الحق والإصلاح {لقد جاءكم من الله نور وكتاب مبين} إنصروا الله ولا تأخذكم في الله لومة لائم فالله وعدكم ووعده الحق {وكان حقا علينا نصر المؤمنين}.
عبد الباسط القاضي