إلى الهيئات
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفاتح والمدينة المنورة : السنة 3 : العدد 2 : ص 33
شهر رمضان 1349 هـ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهيئات الإنسانية تختلف بحسب الزمان والمكان والبيئة والعوائد والأخلاق وتتلون بلون قادتها وزعمائها . وإن كان علماء البيداجوجيا (فن التربية) حكموا أن الإنسان حسب تكوينه وعنصره وأخلاقه لا يتغير فهذا حكم قاصر أبدلته التجارب وشهد التاريخ ببطلانه ، وما كان الإنقلاب في الطبع البشري والمجتمعات الإنسانية على أيدي الرسل وما نرى بأعيننا على يد الورثة ومعلمي الخير وأهل الثقافة لأكبر شاهد ، لما كانت عليه العرب قبل الإسلام من أعمال وحشية وما بلغته من الكمال المدني والأخلاقي بعد بعثة رسول الله ﷺ لهو الدليل الكافي على أن نتكلم في موضوعنا هذا آملين النجاح إن شاء الله تعالى .
الهيئات الإنسانية بحسب النظام الوجودي تنقسم إلى ثلاثة أقسام تقريبا : حكام ، وعلماء ، وعمال – وهناك هيئة رابعة وهي أرقى هذه الهيئات همة وإقداما وخبرة بما عليه الوجود وما به صلاحه وفساده ولكنها لقلتها كادت أن تكون في حيز العدم مع أنها هي صفوة الخليقة وخلاصة الوجود – وتختلف تسميتها بحسب الأوساط : فأهل الدين الإسلامي يسمونها الصوفية ، وأهل الكتاب من النصارى يسمونها الرهبانية ، وبعض الأوساط يسمونها النبغاء والفلاسفة . وفي الحقيقة هي الفرقة التي يدور عليها رحى الوجود رقيا وانحطاطا وقد دخل فيها الدخيل .
ثبت من هذا أن هيئات الإنسان أربعة ، ونحن نريد أن نتكلم مع كل هيئة بحسبها وما يجب عليها في هذا الوجود مستدلين ومستمدين من أربعة مصادر : الكتب السماوية ، والتاريخ ، والعقل الصحيح ، والتجارب النافعة ، لأنه متى قامت كل هيئة بما عليها من الواجبات نحو الوجود البشري ولم تتعدى غيرها في واجباتها تم النظام وسعد الإنسان .
- فنبدأ في هذا العدد بمخاطبة العلماء لأنهم محل نظر المجموعة الفاضلة وهم الذين لا يخلو منهم مجلس ولا مسجد ولا قرية ولا بلدة ولا مدينة ، وهم الخطباء والوعاظ للأمم على حسب طبقاتهم . فإذا تحققوا الواجب عليهم وعملوا بمقتضاه نوعوا أفكار الأمة وساروا بها في ميدان الرقي والسعادة .
وقبل أن أخاطب هذه الهيئة المحترمة أقول للعقل : أيها العقل هل رأيت عملا نجح من غير نظام ؟ وهل نظام قام من غير رئيس خبير بهذا العمل ؟ وهل وهل إذا وجد الرئيس وكان عمله في طريق ومقصده سبيل آخر ضد هذا العمل هل تنتج من هذا العمل الفائدة المقصودة ؟
والجواب على هذه الأسئلة : لا .
هنا نسأل التاريخ : أيها التاريخ هل عصر من العصور مضى ونالت فيه أمة من الأمم مجدا وعزا وأمنا وسعادة بغير رئيس جمع هذه الأمة ؟ وهل من قام يدعي الرئاسة وهو لم يكن كفؤا لها نجحت أعماله ؟ وهل شيدت لرئيس مجدا وهو عار من الإخلاص في رياسته ؟
الجواب : كلا .
أيها الكتاب المقدس يا من إليك مرجع أولوا الألباب : بين لنا سر هذه المعضلات لأنك النور المبين والشمس المشرقة ، فأجاب القرآن : أيها العلماء : إسمعوا وأطيعوا – قال تعالى {وفوق كل ذي علم عليم} وقال {إتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون} وقال {وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم}. كل هذه الآيات إشارة واضحة أنه يجب أن نبحث عمن جمله الله من العلماء باسمه العليم شرطا أن يكون زاهدا لا يسأل الناس ، وأن يكون تقيا ذا خشية من الله تعالى . ومتى وجد صاحب هذه الصفات والتفَّت العلماء حوله واقتبسوا من بحر نور اسمه العليم وأمدهم الله بالنور المحمدي وجذب إليهم الخلق فجمعوهم على الحق فظهر الإسلام بجماله وكماله لكل عاقل ، وهنا يعود للإسلام مجده ويخذل ضده – قال تعالى {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنكم في الأرض كما استخلف الذين من قبلكم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا}.
يتبع
عبد الباسط القاضي