ان بعض علماء الحكام يسمى رفع اليدين عند التكبير هيئة , ولكن لكل حكم حكمة لأن الذى أمر بها هو الحكيم الواسع العليم , فما حكمتها ؟ وما المراد منها ؟ وما المقصود من القيام بها ؟
ان لها حكما كثيرة بحسب مقام المصلى الاسلام حكمة ومقصد ولأهل مقام حكمة ومعنى , ولأهل الاحسان حكمة ومشهد , ولأهل مقام اليقين مراد ومورد , ولأهل القرب والوصل أنس بالستار , بعد زوال الأغيار , وفناء الآثار , وعلى ذلك يكون الأمر غير محدود بدرجة أو مقام ما دام المشار اليه فى رفع اليدين هو الملك العلام , فكلما ترقى المصلى من مقام الى مقام , كانت الاشارة عنده بحسب مشهده ومقامه , وذوقه وادراكه .
وهل يكون رفع اليدين من أحد المصلين , مثل رفع اليدين لسيد المرسلين ؟ كلا . وهنا نبين حكمتها فى كل مقام , على قدر ما يساعدنا البيان من الالهام , وما اغترفناه من بحر الامام .
1 ـ حكمة رفع اليدين عند المسلم : هو الاتباع والتقليد لسيد العبيد , سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم , واشعار نفسه وغيره بأنه دخل فى الصلاة , وهى فى هذا المقام حركة نظامية , فى دائرة الأجسام البشرية , والأعمال البدنية , للتوجه لناحية القبلة الاسلامية .
2 ـ وحكمتها عند أهل الايمان : هو الدخول فى حضرة الرحيم الرحمن , مشيرا الى عظمة العظيم بيديه مع لسانه وقلبه , حتى يكون متوجها الى الله بجزئه وكله , مصدقا أن ربه أمامه يسمعه ويراه , وان كان محجوبا عنه بظاهره ومعناه , وهى اشارة الى افتتاح مقام المناجاة .
3 ـ وأما حكمتها عند أهل الاحسان : فهى طرح جميع الأكوان من دنيا وآخره خلف ظهورهم , ووضع الملك والملكوت وراء أدبارهم , فيد تشير الى نبذ الملك وما فيه ويد أخرى تشير الى نبذ الملكوت ظاهرة وخافية , فارين الى الله , من كل ما سواه سمعوا النداء , من رب الأرض والسماء , بعد أن أشرقت لهم شمس الصفات والأسماء , فيكرهون أن يشهدوا فى صلاتهم أغيارا ومشهدهم فى صلاتهم أنوار المعية الالهية , سر قوله (( ان الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون( ) )) .
4 ـ وأما حكمتها لدى أهل اليقين من أولى التمكين : المجملين بجمال النبيين والمرسلين المكملين بالآداب العلية , والأخلاق العبدية , فهى عندهم اشارة الى رفع الحجاب وزوال الغين والبين , حتى تقع العين على العين , فيخرجون من دائرة الحجاب الى حظيرة شهود أنوار الوهاب .
ذهب عنهم السراب , ودار لديهم الشراب , فدخلوا فى معية سر قوله تعالى (( واعبد ربك حتى ياتيك اليقين( ) )) فرأوا الحقائق على ماهى عليه , سر قوله سبحانه (( كلا لو تعلمون علم اليقين , لترون الجحيم( ) )) لم يحجبوا بأنفس ولا آفاق .
قد ظهرت لديهم شمس الحق والخفا , وعين أعيان الاصطفا , لأنهم قاموا بعهد الوفا , فنالوا من الله الصفا, ومقامهم هذا فوق مقام العبارة , بل ومن فوق أنوار الاشارة , وهنا , يقول سيد الوارثين , وحجة القرن العشرين , السيد محمد ماضى ابو العزائم .
(( الموقن هو من كوشف من أسرار الغيوب والآيات , وغريب تصريف القدرة , وبديع أسرار الحكمة بما جعل قلبه مطمئنا لا تحوم حواليه الشكوك .. الخ )) ما قاله فى تذكرة المرشد للمسترشد( ) .. فراجعه ان شئت .
وأما حكمة رفع اليدن عند أهل المقامات العلية , والمشاهد اللدنية , وعند العباد الذاتيين المجملين( ) بجمال الوراثة فى مقام ( لدن ) فسل عنهم سيد العبيد المحبوب للملك المجيد , من قال فى حال قربه من الله ( وقرة عينى فى الصلاة( ) ) وهذا مقام ( دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى( ) ) وهذا المقام قد أبهمه الملك العلام فى قوله تعالى (( فأوحى الى عبده ما أوحى( ) )) وهو فضل من المولى يؤتيه من يشاء , ويعطيه لمن يريد من العبيد , يرى ذلك بالبصيرة المحمدية , والعيون العبدية الربانية , وليس للبيان فيه مجال , ولا التعبير فيه آى حال , وأهل هذا المقام اذا رفعوا أيديهم وأشاروا فى صلاتهم , فبالله يشيرون , وبه يبصرون وبسمعه يسمعون ( فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون( ) ) .
هذه حكم جمعت فى أصغر أشارة افتتح الله بها الصلاة , وعبر عنها لسان عبد أقل خلق الله , فكيف اذا كتب عنها أحد الوارثين , أو عبر عنها أحد المقربين أو ماذا يكون الحال , اذا ظهرت الحكمة بلسان رجال أهل الكمال , لايتسع لها المجال , ولا يحيط بها عالم المقال , الا قول العليم الحكيم ( ولو ان ما فى الأرض من شجرة أقلام , والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله( ) ) وقوله سبحانه (( قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربى لنفد البحر قبل ان تنفد كلمات ربى ولو جاءنا بمثله مدادا( ) )) .
هذا ما تيسر من القول فى حكمة اشارة رفع اليدين عند التكبير فى الصلاة فقس عى ذلك بقية الأقوال والأعمال , وسنذكر حكمة كل قول وعمل بااختصار , تنبيها لأولى الأبصار .